يرى بعض العلماء ومنهم الشيخ عطية صقر أن في حكم هذا الموضوع وُضِعت كتبٌ كثيرة فيه، كما كثُرَت الأقوال.
يقول البدر بن جماعة تباينَت الطرق في هذه المسألة تبايُنًا لا يوجد في غيرها، وصنَّف فيها العلماء تصانيف ولم يتركوا فيها لقائل مقالاً .
وسأكتفي بإيراد مُقْتَطَفَات من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي " ج3 ص 239 " طبعة عثمان خليفة فيقول :
الأصوات الموزونة باعتبار مخارِجِها ثلاثة، فإنها إما أن تخْرُج من جماد، كصَوْتِ المزامير والأوتار وضرب القضيب والطبل وغيره، وإما أن تخرج من حَنْجَرَة حيوان، وذلك الحيوان إما إنسان أو غيره، كصوت العنادل والقماري ...
فهي مع طِيبها موزونة متناسِبَة المطالع والمَقَاطِع، فلذلك يُسْتَلذ سماعها، والأصل في الأصوات حناجر الحيوانات، وإنما وُضِعَتْ المزامير على أصوات الحَنَاجِر، وهوَ تَشْبِيه للصَّنعَة بالْخِلْقَة إلى أن قال :
فسماع هذه الأصوات يَسْتَحِيل أن يُحَرَّم لِكَوْنِهَا طيبة أو موزونة، فلا ذاهب إلى تحريم صوت العندليب وسائر الطيور، ولا فرق بين حنجرة ولا بين جماد وحيوان فينبغي أن يُقَاسَ على صوت العندليب الأصوات الخارجة من سائر الأجسام باختيار الآدمي، كالذي يخرج من حلقة أو من القَضِيب والطبل والدُّف وغيره، لا يُستثنى من هذه إلا الملاهي والأوتار والمزامير التي ورد الشرع بالمنع منها(1).
لا للذتها، إذ لو كان للذة لقِيس عليها كل ما يَلتذُّ به الإنسان، ولكن حُرِّمَت الخمور واقتضت ضراوة الناس بها المبالغة في الفِطَام عنها، حتى انتهى الأمر في الابتداء إلى كسر الدِّنان، فحُرِّم معها ما هو شعار أهل الشرب، وهى الأوتار والمزامير فقط، وكان تَحْرِيمُهَا من قبيل الاتباع، كما حُرِّمَتْ الخلوة بالأجنبية؛ لأنها مُقَدِّمَة الجِمَاع ……
وما من حرام إلا وله حريم يَطيف به، وحكم الحُرْمَة ينسحب على حريمه ليكون حِمى للحرام، فهي حُرْمَة تبعًا لتحريم الخمر لثلاث علل :
إحداها : أنها تدعو إلى شرب الخمر، فإن اللَّذة الحاصلة بها إنما تتمُّ بالخمر .
الثانية : أنها في حق قريب العهد بشرب الخمر، تذكِّر مجالس الأنْسِ بالشُّرب .
الثالث : الاجتماع عليها، لما أن صار من عادة أهل الفِسْقِ فيُمنع من التشبه بهم؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم، وبهذه العلة نقول بترك السُّنَّة، وبما صارت شعارًا لأهل البدعة خوْفًا من التشبُّه بهم، وبهذه العلة يَحْرُم ضرب الكوبة، وهى طبل مستطيل دقيق الوسط واسع الطرفين، وضرَبها عادة المُخنِّثين، ولولا ما فيه من التشبُّه لكان مثل طبل الحجيج والغزو .
ثم قال : وبهذه العلة لو اجتمع جماعة وزيَّنوا مجلسًا وأحضروا آلات الشرب وأقداحَه وصبوا فيه السَّكَنْجِبين ـ شراب حلو ـ ونصبوا ساقيًا يدور عليهم ويسقيهم، فيأخذون من الساقي ويشربون، ويُحَيي بعضهم بعضًا بكلماتهم المعتادة، حُرِّم ذلك عليهم، وإن كان المشروب مُبَاحًا في نفسه؛ لأن في هذا تشبُّهًا بأهل الفساد .
ثم ذكر أن العُرْفَ يُحَدِّد ما يُشْبِه الفُسَّاق وغيرهم وقال : فبهذه المعاني حُرِّم المزمار العراقي والأوتار كلها كالعود والصَّنج والرَّباب والبربط وغيرها، وما عدا ذلك فليس في معناها كشاهين الرُّعاة والحَجِيج …
وكلُّ آلةٍ يُسْتَخْرَج منها صوت مستطاب موزون سوى ما يَعتاده أهل الشُّرب؛ لأن كل ذلك لا يتعلق بالخمر ولا يُذكِّر بها، ولا يُشوِّق إليها ولا يُوجب التشبُّه بأربابها، فلم يكن في معناها، فيبقى على أصل الإباحة، قياسًا على أصوات الطيور وغيرها، بل أقول : سماع الأوتار ممن يَضْرِبُهَا على غير وزن متناسب مستلذ حرام أيضًا .
وبهذا يتبيَّن أنه ليست العلة في تحريمها مجرد اللَّذة الطيبة، بل القياس تحليل الطيبات كلِّها إلا ما في تحليله فساد، قال الله تعالى ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِن الرِّزْقِ ) فهذه الأصوات لا تُحَرَّم من حيث إنها أصوات موزونة، وَإنَّما تُحَرَّم بعارض آخر.
ثم تحدَّث ( ص 242، 243 ) عن مناسبة النغمات الموزونة للأرواح وتأثيرها فيها إما فرحًا وإما حُزْنًا وإما نوْمًا وإما ضَحِكًا ... وهذا في الشِّعر وفي الأوتار، حتى قيل : من لم يحركه الربيع وأزهاره، والعُود وأوتاره، فهو فاسد المِزاج، ليس له علاج . إن الصَّبي يُسكته الصوت الطَّيِّب عن بكائه، والجَمَل مَع بَلادة طَبْعِه يَتَأثر بالْحُداء ... ومهما قيل بتأثير الغناء في القلب لم يجُز أن يُحْكُم فيه مُطْلَقًا بإباحة ولا تحريم، بل يختلف ذلك بالأحوال والأشخاص واختلاف طرق النغمات، فحكمه حكم ما في القلب .
ثُمَّ تحدَّث عَنْ غِنَاء الحجيج تشويقًا للحج، وهو جائز مع الطبل والشاهين، لا مع المزامير والأوتار التي هي من شعار الأشرار، وعن غناء الحرب للشجاعة وهو مباح وقت إباحة الغزو، ومندوب وقت استحبابه، وعن الرجزيات التي يستعملها الشجعان وقت اللقاء للتشجيع، وهى كغناء الحرب السابق، يُباح ويُندب، ولكن يُحظر في قتال المسلمين وأهل الذِّمة وكلِّ قتال محظور .
وعن أصوات النياحة ليهيج الحزن، فمنه مذموم كالحزن على ما فات، ومحمود كالحزن على التقصير في أمور الدين؛ لأنه يدعو إلى تدارك ما فات، ولهذا جاز للواعظ الطيب الصوت أن يُنشد على المنبر بألحانه الأشعار المُرَقِّقَة للقلب، وجاز له البكاء والتباكي ليتوصل إلى تبكية غيره.
وعن السماع في أوقات السرور تأكيدًا وتهييجًا له، وهو مباح إن كان السرور مُباحًا كأيام العيد والعُرْس. وعن سماع العُشَّاق تحريكًا للعشق وتسلية للنفس، وهو حلال إن كان المشتاق إليه ممن يُباح وصاله كزوجته تغنَّي له، وأما من يتمثل في نفسه صورة امرأة لا يَحلُّ النظر إليها وكان يُنزل ما يسمع على ما تَمثَّل في نفسه فهو حرام، وأكثر العشاق من الشباب وقت هيجان الشهوة على ذلك، فهو ممنوع في حقهم، لا لذَاته بل لأمر يرجع إلى نفوسهم، وعن سماع مَن أحب الله، فيَسوقه إليه السماع، وهو حلال .
ثم تحدَّث عن عوارض المنع وهى خمسة : في المُسمِع ـ أي المُغني ـ والآلة، ونظم صوت، ونفس المستمع، ومواظبته، وكونه من عوام الخلق :
1 ـ فإذا كان المُسمِع ـ المُغني ـ امرأة لا يحلُّ النظر إليها وتُخشى الفتنة من سماعها، مِثْلها الصبي الأمرد الذي تُخشى الفتنة به، فهو حرام، وليس ذلك إلا لأجل الفتنة، حتى لو كان في المحاورة معها بغير ألحان وفي قراءة القرآن . ونقول : للشيخ أن يُقبِّل امرأته وهو صائم . وليس للشاب؛ ذلك لأنها تدعو إلى الوِقاع في حقه.
2 ـ إذا كانت الآلة من شعار أهل الشرب والمخنِّثين، وهى المزامير والأوتار وطبل الكوية ( حصرها الغزالي فيها، وأحل ما عدا ذلك مع اختلاف الأعراف، وبخاصة في عصرنا فيما كان من لوازم الشراب الحرام وما كان من غيره ) فهو حرام .
3 ـ نظْم الصوت إذا كان فيه خَنَا وكَذِب، فسماعه حرام بألحان وغيرها، والمُسْتَمِع شريك القائل، وكذلك ما فيه وصف امرأة بعينها فلا يجوز وصف المرأة بين يدي الرجال ... وذكر أن النسيب وهو التشبيب بوصف الخدود والأصداغ وحُسن القَدّ ـ الصحيح أنه لا يَحْرُم نَظْمُه وإنشاده بلحن وبغيره، وعلى المستمع ألا يُنزله على امرأة معينة فإن نزَّلة فليكن على من تحل له كزوجته.
4 ـ المستمع إن غلبت عليه الشهوة كالشاب حَرُم عليه الاستماع .
5 ـ العاصي الذي لم يَغلب عليه حبُّ الله ولا غلبت عليه شهوة، فيُباح كسائر أنواع الملذات المباحة، إلا إذا اتخذه دَيْدَنًا وقصَر عليه أكثر أوقاته، وذلك كلعب الشطرنج، يباح ولكن المواظبة عليه مكروهة جدًا .
ثم ذكر الغزالي أدلة تحريم الغناء وأبطلها لضعف نسبتها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلى صحابته، أو لضَعْفِ الاستدلال .
فمن الأول حديث " إن الله حرَّم القيْنة ـ المغنِّية ـ وبيعها وثمنها وتعليمها " وهو ضعيف ليس بمحفوظ، وحديث " كان إبليس أول من تغنَّى وناح " لا أصل له عن جابر، وأخرجه بعضهم عن عليٍّ ولم يذكر درجته، وحديث " ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله له شيطانين " وهو ضعيف . وحديث " كل شيء يلهو به الرجل باطل..." فيه اضطراب، وقول ابن مسعود " الغناء يُنْبِتُ النفاق " موقوف عليه، والمرفوع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غير صحيح . وحديث وضْع ابن عمر إصْبَعه في أذنه مُنْكَر .
ومن الثانية قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) قال ابن مسعود والحسن البصري والنخعي: إن اللهو هو الغناء. وردُّه بأن الحُرْمَة لعِلَّة الإضلال وليس كلُّ غناءٍ كذلك، بل إنه لو قرأ القرآن ليُضِلَّ عن سبيل الله حرُم عليه، كمن كان يتعمَّد في إمامة الناس في الصلاة أن يقرأ سورة " عبس " لما فيها من عتاب الله لرسوله، وهَمَّ عمر بقتله .
انتهى ما اقتطفتُه من كلام الإمام الغزالي، والخلاصة أنه ينبغي أن ينظر في ذلك إلى جانب الفتنة وإلى اتخاذ السماع دَيْدَنًا يُلهِي عن واجب، والفتنة إما من الكلام نفسه، وإما من الأداء والأسلوب، وإما من المغنِّي والمطرب . فإن خلا من الفتنة بأي وجه فلا بأس بالقليل منه للترويح عن النفس، على ألا يصحبه مُحَرَّم من شرب أو نظر ونحوهما .
وجاء في فتاوى الشيخ محمود شلتوت " ص 379 " الحكم بعدم الحُرْمَة مُؤَيِّدًا رأيه برأي الشيخ عبد الغني النابلسي في أن الأحاديث التي رُويت في حُرْمَةِ الموسيقى ـ على فرض صحتها ـ مقرونة بالملاهي والخمر والفتيات والفسوق والفجور، فإذا سلِم السماع من كل ذلك كان مباحًا في الحضور والسماع والتعلم .
وذكر الشيخ شلتوت أن الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر كان مُولَعًا بالسماع عالمًا به، ومن كلماته في بعض مؤلفاته : من لم يتأثر برقيق الأشعار، تُتْلَى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، في ظلال الأشجار، فذلك جِلْف الطبع حمار .
وبعدُ فإن الصوت الجميل من الطيور ومن الناس نعمة حلال، والحديث الشريف يقول " لله أشد أذنًا ـ سماعًا ـ للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القَيْنة إلى قَيْنته " رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وصحَّحه، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أبي موسى الأشعري " لقد أُعطيَ مزمارًا من مزامير آل داود " رواه البخاري ومسلم . وكما استمع إلى قراءة أبي موسى وأُعْجِبَ بها استمع إلى غناء الجارِيَتَيْن عند عائشة ولم يرتضِ إنكار أبي بكر عليه وكان في أيام مِنى، وهو حديث مُتفق عليه . وجاء قريبًا منه أنه كان في يوم عيد فِطْر أو أضحى، وسمع غناء الجواري في زواج الرُّبَيع بنت مُعوِّذ ولم ينكر عليهن إلا قولهن " وفينا نبي يعلم ما في غد " رواه البخاري . ولما زَفت عائشة امرأة إلى رجل من الأنصار قال لها " يا عائشة، ما كان معكم لَهْو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو "رواه البخاري أيضًا، وجاء في رواية ضعيفة لابن ماجة ـ كما قاله في مجمع الزوائد ـ أنه قال لها وقد زَفَّت يتيمة " إن الأنصار فيهم غزَل، هلا بعثتم معها من يقول : أتيناكم أتيناكم، فحيَّانا وحيَّاكم " .
ومن أراد التوسع فليرجع إلى :
1 ـ إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، وشرحه للمرتضي الزبيدي .
2 ـ مدارج السالكين لابن القيم .
3 ـ كفُّ الرِّعاع عن محرمات اللهو والسماع . لابن حجر الهيتمي .
4 ـ الإسلام ومشكلات الحياة . لصاحب الكتاب.
الهوامش:
(1) حديث المنع من الملاهي والأوتار و المزامير رواه البخاري من حديث أبي عامر، أو أبي مالك الأشعري "ليكوننَّ في أمتي أقوام يستحلون الخزَّ والحرير والمعازف " صورته عند البخاري صورة التعليق ، ولذلك ضعفه ابن حزم ووصله أبو داود والإسماعيلي ، ولأحمد من حديث أبي أمامة " إن الله أمرني أن أمحق المزامير والكُبَّارات" يعني البرابط والمعازف ، وهو ضعيف ، وله حديثان آخران ضعيفان ، ولأبي داود أن ابن عمر سمع مزمارًا فوضع أصبعيه على أذنيه ، وقال أبو داود : وهو مُنكر " تخريج العراقي على الإحياء ج 2 ص 239، 240" .
السؤال الثامن : : ما هو حكم الموسيقى في المذهب الشافعي ؟
الجواب : يحرم في مذهبنا الضربُ على آلات الملاهي ( الموسيقى ) والاستماعُ إليها ، ولم يستثنِ أئمتُنا إلا الدُّفَّ ولو كان له جلاجل فهو مباح للرجال والنساء في أيام الزواج وغيرها ، واستثنوا أيضاً الطَّبْلَ المستوي الطرفين والوسط ، أما الكوبةُ ويسميها البعضُ الدِّرْبكة أو الطبلة وهي الضيقةُ من الوسط فهي حرامٌ على المعتمد عندنا ، وأما اليَراعُ وهو نوع من المزامير فالمعتمدُ حرمته ، وقيل : بإباحته ، وعليه عملُ كثير من أهل حضرموت من الشافعية . هذا حاصل مذهبنا في الآلات الموسيقية ومن أراد الزيادة فعليه بكتاب "كفّ الرَّعاع عن محرمات اللهو والسماع" للإمام ابن حجر الهيتمي.
حكم الموسيقى والغناء ؟
الشيخ عبد العزيز بن باز-يرحمة الله
يرى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أن الاستماع إلى الأغاني حرام ومنكر ومن أسباب مرض القلوب وقسوتها وصدها عن ذكر الله وعن الصلاة وقد فسر أكثر أهل العلم قوله تعالي : {ومن الناس من يشتري لهو الحديث}.
وكان عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل رضى الله عنه يقسم على أنه لهو الحديث هو الغناء وإذا كان مع الغناء آلة لهو كالربابة والعود والكمان والطبل صار التحريم أشد وذكر بعض العلماء أن الغناء بآلة لهو محرم إجماعاً فالواجب الحذر من ذلك وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف " و الحر هو الفرج الحرام يعني الزنا والمعازف هي الأغاني وآلات الطرب وأوصيك وغيرك من النساء والرجال بالإكثار من قراءة القرآن ومن ذكر الله عز وجل كما أوصيك وغيرك بسماع إذاعة القرآن ففيها فوائد عظيمة وشغل شاغل عن سماع الأغاني وآلات الطرب .
أما الزواج فيشرع فيه ضرب الدف والغناء المعتاد الذي ليس فيه دعوة إلى محرم ولا مدح لمحرم في وقت من الليل للنساء خاصة لإعلان النكاح والفرق بينه وبين السفاح كما صحت السنة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
أما الطبل فلا يحوز ضربه في العرس بل يكتفي بالدف خاصة ولا يجوز استعمال مكبرات الصوت في إعلان النكاح وما يقال من الأغاني المعتادة لما في ذلك من الفتنة العظيمة والعواقب الوخيمة وإيذاء المسلمين ولا يجوز أيضاً إطالة الوقت في ذلك بل يكتفي بالوقت القليل الذي يحصل به إعلان النكاح لأن إطالة الوقت تفضي إلى إضاعة صلاة الفجر والنوم عن أدائها في وقتها وذلك من أكبر المحرمات ومن أعمال المنافقين .
كما يرى ابن رجب السلفي أن مما يحزن المسلمَ الغيورَ على دينه أن يبحث بعض المسلمين عن السعادة في غيره، ويبحثون عن البهجة فيما عداه، يضعون السموم مواضع الدواء، طالبين العافية والشفاء في الشهوات والأهواء. ومن ذلك عكوف كثير من الناس اليوم على استماع آلات الملاهي والغناء، حتى صار ذلك سلواهم وديدنهم، متعللين بعلل واهية وأقوال زائفة، تبيح الغناء وليس لها مستند صحيح، يقوم على ترويجها قوم فُتنوا باتباع الشهوات واستماع المغنيات.
وكما نرى بعضهم يروج للموسيقى بأنها ترقق القلوب والشعور، وتنمي العاطفة، وهذا ليس صحيحاً، فهي مثيرة للشهوات والأهواء، ولو كانت تفعل ما قالوا لرققت قلوب الموسيقيين وهذبت أخلاقهم، وأكثرهم ممن نعلم انحرافهم وسوء سلوكهم.
عباد الله من كان في شك من تحريم الأغاني والمعازف، فليزل الشك باليقين من قول رب العالمين، ورسوله صلى الله عليه وسلم الأمين، في تحريمها وبيان أضرارها، فالنصوص كثيرة من الكتاب والسنة تدل على تحريم الأغاني والوعيد لمن استحل ذلك أو أصر عليه، والمؤمن يكفيه دليل واحد من كتاب الله أو صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف إذا تكاثرت وتعاضدت الأدلة على ذلك. ولقد قال سبحانه و تعالى في كتابه العزيز: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِيناً"
ونظراً لخطورة الأغاني، وأنها سبب من أسباب فتنة الناس وإفسادهم وخاصة الشباب منهم، أحببت أن أجمع لكم هذا البحث المختصر والذي يحتوي على موقف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأئمة أهل العلم من الغناء والموسيقى. وهذه المادة هي محاولة أردت بها خدمة دين الله عز وجل، ومنفعة المسلمين، سائلاً الله تبارك وتعالى أن ينفع بها وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وهو حسبنا و نعم الوكيل.
أدلة التحريم من القرآن الكريم:
قوله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ" (سورة لقمان: 6)
قال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما: هو الغناء، وقال مجاهد رحمه الله: اللهو الطبل (تفسير الطبري) وقال الحسن البصري رحمه الله: "نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير" (تفسير ابن كثير). قال ابن القيم رحمه الله: "ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود، قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن قوله تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث".
فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء - يرددها ثلاث مرات -، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء.." (إغاثة اللهفان لابن القيم). وكذلك قال جابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول وميمون بن مهران وعمرو بن شعيب وعلي بن بديمة و غيرهم في تفسير هذه الآية الكريمة.
قال الواحدي رحمه الله: وهذه الآية على هذا التفسير تدل على تحريم الغناء (إغاثة اللهفان). ولقد قال الحاكم في مستدركه عن تفسير الصحابي: "ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي و التنزيل عند الشيخين حديث مسند".
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان معلقاً على كلام الحاكم: "وهذا وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير مَن بعدهم، فهم أعلم الأمة بمراد الله من كتابه، فعليهم نزل وهم أول من خوطب به من الأمة، وقد شاهدوا تفسيره من الرسول علماً وعملاً، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل".
وقال تعالى: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا" (سورة الإسراء:64)
جاء في تفسير الجلالين: (واستفزز): استخف، (صوتك): بدعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية و هذا أيضا ما ذكره ابن كثير والطبري عن مجاهد. وقال القرطبي في تفسيره: "في الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو..وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه".
أدلة التحريم من السنة النبوية الشريفة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف، و لينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله.
ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة" (رواه البخاري تعليقا برقم 5590، ووصله الطبراني والبيهقي، وراجع السلسلة الصحيحة للألباني 91). وقد أقر بصحة هذا الحديث أكابر أهل العلم منهم الإمام ابن حبان، والإسماعيلي، وابن صلاح، وابن حجر العسقلاني، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والطحاوي، وابن القيم، والصنعاني، وغيرهم كثير. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "ولم يصنع من قدح في صحة هذا الحديث شيئا كابن حزم نصرة لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي.
وزعم أنه منقطع لأن البخاري لم يصل سنده به". وقال العلامة ابن صلاح رحمه الله: "ولا التفات إليه (أى ابن حزم) في رده ذلك..وأخطأ في ذلك من وجوه..والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح" (غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب لإمام السفاريني).
"وفي الحديث دليل على تحريم آلات العزف والطرب من وجهين؛ أولهما قوله صلى الله عليه وسلم: "يستحلون"، فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة، فيستحلها أولئك القوم. ثانيا: قرن المعازف مع ما تم حرمته وهو الزنا والخمر والحرير.
ولو لم تكن محرمة - أى المعازف - لما قرنها معها" (السلسلة الصحيحة للألباني 1/140-141 بتصرف). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها" (المجموع).
الكاتب: الشيخ عبد العزيز بن باز-يرحمة الله
المصدر موقع دنيا ودين